(( صحابية جليلة تشتكي إلى الله ))
هذه الزوجة الصالحة استمع الله إلى قولها من فوق سبع سماوات عندما اشتكت إليه سبحانه زوجها الذي قال لها : أنت عليّ كظهر أمي . وسُميت سورة في القرآن بـ (( المجادلة )) بعد حوارها مع النبي صلى الله عليه وسلم إنها خولة بنت ثعلبة زوجة الصحابي أوس بن الصامت الذي كان قد أسلم مبكراً وشهد مع الرسول غزوة بدر الكبرى وغزوة أحد والخندق وبقية المشاهد كلها .. وهو أخو عبادة بن الصامت الذي كان له دور كبير في فتح مصر .
ظل الزوجان خولة بنت ثعلبة وأوس بن الصامت يعيشان عيشة بسيطة هنيئة , فخولة كانت ترعى أولادها وتخدم بيتها وتصلي فرضها ونفلها وتصوم نهارها وتقوم ليلها قدر ما استطاعت . إلا ان زوجها كان قد كبر في السن . واصبح سريع الغضب , وأصيب بخفة في العقل وتحكي خولة .
دخل علي يوماً فراجعته في شيء فغضب وقال : أنت علي كظهر أمي , ثم خرج في نادى قومه ساعة , ثم دخل علي , فإذا هو يريدني , فقلت : كلا والذي نفس خولة بيده لاتخلص إلي وقد قلت ماقلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه . فواثبني فامتنعت منه فغلبته بما تغلب المرأة الشيخ الضعيف , فألقيته عني , ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه .فذكرت له مالقيت منه , وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه وقلت : يارسول الله إن أوساً قد عرفت , أبو ولدي وابن عمي وأحب الناس إلي وقد عرفت مايصيبه من اللمم وعجز مقدرته وضعف قوته وعي لسانه وأحق من عاد عليه أنا بشيء إن وجدته وأحق من عاد علي بشيء إن وجده هو . وقد قال كلمة , والذي أنزل عليك الكتاب بالحق ماذكر طلاقاً , قال : أنت علي كظهر أمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . (( ما أراك إلا قد حرمت عليه )).
فقالت خولة : يارسول الله أكل شبابي , ونثرت له بطني ـ أي أكثرت له من الأولاد ـ حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني ؟! اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي وماشق علي من فراقه اللهم أنزل على لسان نبيك مايكون لنا فيه فرج .
وراحت السيدة عائشة وكل من في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكون رقه لها ورحمة عليها حتى نزل جبريل بهذه الآيات (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ))
فقال النبي : ( ياخولة قد أنزل الله فيك وفيه قرآناً وقال لها . ليعتق زوجك رقبة قالت ما عنده مايعتق .
قال : فليصم شهرين متتابعين . قالت والله إنه لشيخ كبير ماله من صيام .
قال : فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر ,,
قالت والله يارسول الله ماذاك عنده فقال النبي فإنا سنعينه بعرق من تمر .
قالت وأنا سأعينه بعرق آخر .
قال : قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه , ثم استوصي بابن عمك خيراً وعادت خولة بنت ثعلبة لتعيش مع زوجها أوس بن الصامت بعد أن أكرمها الله بأن أبطل على يديها وبسببها تشريعاً أو عرفاً كان سائداً في الجاهلية وفي صدر الإسلام من كون الظهار طلاقاً . ثم تأكيد المولى عز وجل أن الظهار حرام لايجوز الإقدام عليه لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور وكلاهما حرام .
ويبدو أن التاريخ الإسلامي قد أنشغل عن خولة بنت ثعلبة طوال مدة عهد الصديق لتظهر مرة أخرى في عهد الفاروق عمر بن الخطاب لتسجل موقفاً لايمكن لأحد أن يتجاهله ,
فقد خرج عمر بن الخطاب ومعه الناس , فمر بعجوز فاستوقفته فوقف فجعل يحدثها وتحدثه .. فقال له عمر : ويلك ! تدري من هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات : هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله )) والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة , ثم ارجع إليها :
وفي مشهد آخر .. خرج عمر بن الخطاب من المسجد ومعه الجارود العبدي فإذا بامرأة برزة على ظهر الطريق وقالت هيهات ياعمر . عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين .
فاتق الله في الرعية واعلم أن من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي عليه الفوت فقال الجارود العبدي : قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين ! فقال عمر بن الخطاب : دعها ,, أما تعرفها ؟؟
فهذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات فعمر والله أحق أن يسمع لها .
إن خولة بنت ثعلبة من ربات الفصاحة والبلاغة , حافظت على بيتها وجادلت عن زوجها فأكرمها الله بأن استمع إلى شكواها وأعاد إليها زوجها .