تاريخ الشوايقة (او الشايقية)
رأيت أنّ أنقل هذا الكتاب إلى أحبائى فى منتديات العقدة، وهو كتاب طبعه مؤلفه مستر نكولز سنة 1913م ، وصار منذ ذلك الوقت مرجعا لكل من يبحث في قبائل الشايقية وتاريخها.
وقد جمع المؤلف فيه الروايات الوطنية التي يرويها الشايقية أنفسهم ، وقارن بينها وبين أقوال المؤرخين والرحالة الذين زاروا بلاد الشايقية أو تحدثوا عنها ، وقد تقبل بعض هذه الروايات ، وشك في بعضها . غير أنه مما يعيب الكتاب - في نظرنا - بعض أقوال جمح بها قلمه ، فأساء فيها الحكم أحياناً ، وأخطأته لباقة العبارة أحياناً أخرى .
أضف إلى ذلك أنّ الكتاب لم يتعرض لجوانب من تاريخ الشايقية ، كالبحث في أصل الشايقية ، وهذا موضوع شغل الذين كتبوا عن الشايقية بعد زمن تأليف هذا الكتاب . ونرى إتماماً للفائدة أنّ نعرض لأهم الآراء في هذا الصدد . وبين أيدينا أربعة آراء في أصل الشايقية ، نلخصها فيما يلي :
1- يرى ترمنجهام ( الإسلام في السودان ص 88 ) أنهم ربما كانوا أصلاً في البجة . ويعتمد في هذا على ما رواه المقريزي عن ابن سليم أسواني من أنّ الزنافج ، وهم فريق من البجة ، هاجروا في عصور قديمة إلى بلاد النوبة واستقروا هناك .
احتفظوا بلغتهم الخاصة فلم تختلط بلغة النوبة . ثم لاحظ ترمنجهام أنّ جميع أسماء قبائل الشايقية تنتهي بالمقطع ( آب ) وهو مقطع لفظي مأخوذ من لغة البجة .
وزعم ترمنجهام هذا ، في نظرنا ، لا ينهض به دليل . فإن انتهاء اسم القبيلة بمقطع من لغة البجة ليس دليلاً علي أنّ القبيلة بجاوية الأصل . ولا سيما إذا عرفنا أنّ هذا المقطع يدخل في أسماء كثير من القبائل العربية التي تسكن في أقاليم مختلفة من السودان .
2- ويرى ماكمايكل ( تاريخ العرب في السودان حـ 1 ص 213 وما يلي ) أنه من المحتمل أنّ يكون فريق من هذه القبيلة كان في الأصل من بقايا الجنود المرتزقة من الترك والألبان والبشناق الذين كانوا يؤلفون الحاميات والحرس في بلاد النوبة منذ غزو السلطان سليم العثماني ( 1517م ) وقد استقر عدد منهم في النوبة .
وقد استبعد الباحثون اليوم هذا الرأي . فقد رده كراو فورد ( في مملكة الفونج في سنار صـ 44) ، فذكر أنّ هناك اعتراضاً قوياً ضد هذا الرأي ، وهو أنّ سليماً العثماني لم يغز هذه المنطقة ولم يقم عليها حراساً ولا حاميات . وأنّ المناطق التي قامت على حراستها فئات من هؤلاء ، وهي الواقعة بين الشلال الأول والثالث ، لم تنتج سلالة من السكان عندها من الخصائص ما نجده عند الشايقية . ورد الدكتور عوض ( السودان الشمالي ص 185 ) هذا الرأي بقوله : ( مما يؤسف له أنه ليست لدينا دراسة للشايقية بواسطة رجل من علماء الأجناس حتى نستطيع بالدراسة العلمية للمقاييــس ، وعلى الأخص مقاييـس النسبة الرأسية أنّ نحكم على وجه الشبة بين الشايقية وأولئك الجنود الذين إذا كانوا حقيقة لهم نسب ألباني أو تركي أو بشناق ، فإنّ هذا كفيل برفع النسـب الرأسية . ومثل هذا الاختلاف يتنافى مع ما نعرفه من صفات الشايقية الجسدية ، كنحول الجسم والوجه وشكل العيون . أما بروز الأنف فمعروف لدى كثير من العرب حتى في السودان نفسه ) .
3- ويرى فرن ( وهو رحالة ألماني زار السودان في خلال سنتي 1840 - 1841م ) أنّ الشايقية ربما كانوا في الأصل طبقة من محاربي المصريين القدماء أو جماعة من سلالة المحاربين الثائرين الذين تحدث عنهم هيرودوت المؤرخ ، فذكر أنهم كانوا جنوداً في جيش فرعون ، ثم ثاروا ورفضوا العودة إلى مصر بعد أنّ هاجروا منها إلى الجنوب . وكان هذا في عهد أبسماتيك . وزعم هيرودوت أنّ عددهم كان مائتين وأربعين ألفاً على وجه التقريب . ويقول بلينيوش المؤرخ ( 70م ) أنهم فروا من وجه أسماتيك وسكنوا في مناطق قريبة من مروي القديمة (1) .
ويؤيد فرن هذه النظرية بعدة ملاحظات :
(1) موقع بلاد الشايقية قريباً من مروي القديمة التي حموها من غارات برابرة الجنوب .
(2) والنزعة العسكرية المتأصلة في نفوس الشايقية .
(3) وكونهم غير خاضعين لزعيم واحد ، بل كانوا دائماً يعيشون أحراراً في ظل ملوك صغار . ولعل الأسر الحاكمة فيهم تمثل طبقة السادة المصريين القدماء الذين لم يعترفوا بسلطان أحد سوى ملوك إثيوبيا . فلما زال ملكهم صاروا أمراء مستقلين كما حدث لقواد الإسكندر المقدوني بعد وفاته .
(4) وعادة الشايقية في تقصير شعر رأسهم وتلك عادة مصرية تخالف العادة السائدة عند العرب والنوبيين .
ويضيف ماكمايكل ملاحظة أخرى تؤيد نظرية فرن وهي ما شاهده الرحالة الفرنسي كايو من أنّ الشايقية في إقليم
الجزيرة يقيمون نصباً على صورة إنسان يعيّن حدود الجهات التي غزوها . ويقول ماكمايكل : إنّ هذه العادة بلا شك مقتبسة من الفراعنة الذين كانوا يقيمون تمثالاً على حدود فتوحاتهم ( عوض 148 ، ماكمايكل 1 : 213 وما يليها ) .
5- وترى الروايــة الوطـنية التي يتداولها الشـايقية أنفسـهم أنهم من أصـل عربي . وهــذا الرأي لم يقم ضـده دليل قوى إلى الآن . فقد رأينا في الرأيين الأول والثانـي ضعفاً ظاهراً . أما الرأي الثالث (رأي الرحالة الألماني فرن) فإننا لا ننكر ما فيه من وجاهة ، وهو في الوقت نفسه لا يتنافى مع عروبة هذه القبيلة ، بل يؤيدها . فقد أشار فرن إلى هذه الطبقة من المحاربين الثائرين الذين هاجروا إلى الجنوب من مصر القديمة . والعلماء مختلفون في أصل هذه الطبقة . وقد رجحنا في بحثنا [ ميلاد سوبا ] الذي أشرنا إليه فيما سبق ، أنّ هذه الطبقة كانت من عرب الأراميين الذين كانوا يعملون في مصر جنوداً مرتزقة في عهد بسماتيك الثاني وكانوا قد عهد إليهم في محاربة المناطق الجنوبية (ص 2 - 4 ) . وعلي هذا يكون رأي فرن في الواقع مؤيداً للروايات الوطنية الشايقية ، إذ تكون القبيلة في الأصل ، من هؤلاء العرب الذين هاجروا من مصر الفرعونية بعد أنّ استقروا فيها فترة من الزمن عملوا فيها في جيش فرعون .
ولسنا ننكر مع ذلك أنّ مجاورة الشايقية لعناصر إفريقية وحامية في موطنهم الجديد ، ودخول هجرات عربية جديدة بعد الإسلام في السودان واختلاط أصولهم بدماء عربية حديثة جاءت إليهم من الشمال أو الشرق - كل ذلك قد أحدث آثاراً في عاداتهم ولغاتهم على مر العصور ، ولكنهم فيما يظهر لم يسمحوا للسلالات الجنوبية بأن تمتزج بدمائهم ، لذلك احتفظوا بلون بشرتهم الذي يقرب من لون المولدين